الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
قال: [ وإذا مات السيد, كان العبد على كتابته وما أدى فبين ورثة سيده مقسوما كالميراث ] وجملة ذلك أن الكتابة لا تنفسخ بموت السيد, لا نعلم فيه بين أهل العلم خلافا وذلك لأنه عقد لازم من جهته لا سبيل إلى فسخه فلم ينفسخ بموته, كالبيع والإجارة إذا ثبت هذا فإن المكاتب يؤدى نجومه وما بقي منها, إلى ورثته لأنه دين لموروثهم ويكون مقسوما بينهم على قدر مواريثهم كسائر ديونه فإن كان له أولاد ذكور وإناث, فللذكر مثل حظ الأنثيين ولا يعتق حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه فإن أدى إلى بعضهم دون بعض لم يعتق كما لو كان بين شركاء, فأدى إلى بعضهم فإن كان بعضهم غائبا وكان له وكيل, دفع نصيبه إلى وكيله وإن لم يكن له وكيل دفع نصيبه إلى الحاكم, وعتق وإن كان موليا عليه دفع نصيبه إلى وليه إما ابنه أو وصيه أو الحاكم أو أمينه فإن كان له وصيان لم يبرأ إلا بالدفع إليهما معا وإن كان الوارث رشيدا, قبض لنفسه ولا تصح الوصية إلى غيره ليقبض له لأن الرشيد ولى نفسه وإن كان بعضهم رشيدا, وبعضهم موليا عليه فحكم كل واحد منهم حكمه لو انفرد وإن أذن بعضهم له في الأداء إلى الآخر وكان الذي أذن له في ذلك رشيدا, فأدى إلى الآخر جميع حقه عتق نصيبه فإن كان معسرا, لم يسر إلى نصيب شريكه وإن كان موسرا عتق عليه كله, وقوم عليه باقيه كما لو كان بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه وهذا ظاهر كلام الخرقي وهو أحد قولي الشافعي وقال القاضي: لا يسرى عتقه وإن كان موسرا وهو القول الثاني للشافعي وقال أبو حنيفة: لا يعتق إلا بأداء جميع مال الكتابة لأنه أدى بعض مال الكتابة, فأشبه ما لو أداه إلى السيد وإن أبرأه من مال الكتابة برئ منه وعتق وإن أبرأه بعضهم, عتق نصيبه وكذلك إن أعتق نصيبه منه عتق والخلاف في هذا كله, كالخلاف فيما إذا أدى إلى بعضهم بإذن الآخر ولنا على أنه يعتق نصيب من أبرأه من حقه عليه أو استوفى نصيبه بإذن شركائه, أنه أبرأه من جميع ما له عليه فوجب أن يلحقه العتق كما لو أبرأه سيده من جميع مال الكتابة, وفارق ما إذا أبرأه سيده من بعض مال الكتابة لأنه ما أبرأه من جميع حقه ولنا على سراية عتقه أنه إعتاق لبعض العبد الذي يجوز إعتاقه, من موسر جائز التصرف غير محجور عليه فوجب أن يسرى عتقه, كما لو كان قنا ولأنه عتق حصل بفعله واختياره فسرى, كمحل الوفاق فإن قيل: في السراية ضرر بالشركاء لأنه قد يعجز فيرد إلى الرق قلنا: إذا كان العتق في محل الوفاق يزيل الرق المتمكن الذي لا كتابة فيه, فلأن يزيل عرضية ذلك بطريق الأولى.
قال: [ وولاؤه لسيده وإن عجز فهو عبد لسائر الورثة ] أما إذا عجز ورد في الرق فإنه يكون عبدا لجميع الورثة, كما لو لم يكن مكاتبا لأنه من مال موروثهم فكان بينهم كسائر المال وأما إذا أدى مال الكتابة, وعتق فقال الخرقي: يكون ولاؤه لمكاتبه يختص به عصباته دون أصحاب الفروض وهذا قول أكثر الفقهاء وهو اختيار أبي بكر ونقله إسحاق بن منصور, عن أحمد -رحمه الله- وإسحاق وروى حنبل, وصالح بن أحمد عن أبيه قال: اختلف الناس في المكاتب يموت سيده, وعليه بقية من كتابته فقال بعض الناس: الولاء للرجال والنساء وقال بعض الناس: لا ولاء للنساء لأن هذا إنما هو دين على المكاتب ولا يرث النساء من الولاء إلا ما كاتبن, أو أعتقن ولكل وجه والذي أراه ويغلب على أنهن يرثن وذلك لأن المكاتب لو عجز بعد وفاة السيد رد رقيقا وهذا قول طاوس والزهري, وذلك لأن المكاتب انتقل إلى الورثة بموت المكاتب فكان ولاؤه لهم كما لو انتقل إلى المشتري, ولأنه يؤدى إلى الورثة فكان ولاؤه لهم كما لو أدى إلى المشتري ووجه الأول أن السيد هو المنعم بالعتق, فكان الولاء له كما لو أدى إليه ولأن الورثة إنما ينتقل إليهم ما بقي للسيد وإنما بقي للسيد دين في ذمة المكاتب, والفرق بين الميراث والشراء أن السيد نقل حقه في البيع باختياره فلم يبق له فيه حق من وجه, والوارث يخلف الموروث ويقوم مقامه ويبنى على ما فعله موروثه ولا ينتقل إليه شيء أمكن بقاؤه لموروثه, والولاء مما أمكن بقاؤه للموروث فوجب أن لا ينتقل عنه.
فإن أعتقه الورثة صح عتقهم لأنه ملك لهم فصح عتقهم له, ولأن السيد لو أعتقه نفذ عتقه وهم يقومون مقام موروثهم ويكون ولاؤه لهم لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الولاء لمن أعتق) وإن أعتق بعضهم نصيبه, فعتق عليه كله قوم عليه نصيب شركائه وكان ولاؤه له وإن لم يسر عتقه لكونه معسرا, أو لغير ذلك فله ولاء ما أعتقه للخبر ولأنه منعم عليه بالعتق, فكان الولاء له كغير المكاتب وقال القاضي: إن أعتقوه كلهم قبل عجزه كان الولاء للسيد وإن أعتق بعضهم, لم يسر عتقه ثم ينظر فإن أدى إلى الباقين عتق كله, وكان ولاؤه للسيد وإن عجز فردوه إلى الرق كان ولاء نصيب المعتق له لأنه لولا إعتاقه, لعاد سهمه رقيقا كسهام سائر الورثة فلما أعتقه, كان هو المنعم عليه فكان الولاء له دونهم فأما إن أبرأه الورثة كلهم عتق وكان ولاؤه على الروايتين اللتين ذكرناهما, فيما إذا أدى إليهم لأن الإبراء جرى مجرى استيفاء ما عليه ويحتمل أن يكون الولاء لهم لأنهم أنعموا عليه بما عتق به فأشبه ما لو أعتقوه وإن أبرأه بعضهم من نصيبه كان في ولائه ما ذكرناه من الخلاف والله أعلم.
إذا باع الورثة المكاتب, أو وهبوه صح بيعهم وهبتهم لأنهم يقومون مقام المكاتب, والمكاتب يملك بيعه وهبته فكذلك ورثته ويكون عند المشتري والموهوب له مبقى على كتابته فإن عجز فعجزه, عاد رقيقا له وإن أدى وعتق كان ولاؤه لمن يؤدى إليه على الرواية التي تقول: إن ولاءه للورثة, إذا أدى إليهم وأما على الرواية الأخرى فيحتمل أن لا يصح بيعه ولا هبته لأن ذلك يقتضي إبطال سبب ثبوت الولاء للسيد الذي كاتبه وليس ذلك للورثة, ويحتمل أن يصح ويكون الولاء للسيد إن عتق بالكتابة لأن السيد عقدها فعتق بها, فكان ولاؤه له ويفارق ما لو باعه السيد لأن السيد ببيعه أبطل حق نفسه وله ذلك بخلاف الورثة فإنهم لا يملكون إبطال حق موروثهم.
وإن وصى السيد بمال الكتابة لرجل, صح فإن سلم مال الكتابة إلى الموصى له أو وكيله أو وليه إن كان محجورا عليه, برئ منه وعتق وولاؤه لسيده الذي كاتبه لأنه المنعم عليه وإن أبرأه من المال, عتق أيضا لأنه برئ من مال الكتابة فأشبه ما لو أدى وإن أعتقه لم يعتق لأنه لا يملك رقبته, ولا وصي له بها وإنما وصى له بالمال الذي عليه وإن عجز ورد في الرق, عاد عبدا للورثة وما قبضه الوصي - الموصى له - من المال فهو له لأنه قبضه بحكم الوصية الصحيحة, والأمر في تعجيزه إلى الورثة لأن الحق ثبت لهم بتعجيزه ويصير العبد لهم فكانت الخيرة في ذلك إليهم وأما الموصى له, فإن حقه ووصيته تبطل بتعجيزه فلم يكن له في ذلك حق وإن وصى بمال الكتابة للمساكين ووصى إلى رجل بقبضه وتفريقه بينهم, صح ومتى سلم المال إلى الوصي برئ وعتق وإن أبرأه منه لم يبرأ لأن الحق لغيره وإن دفعه المكاتب إلى المساكين, لم يبرأ منه ولم يعتق لأن التعيين إلى الوصي دونه وإن وصى بدفع المال إلى غرمائه تعين القضاء منه, كما لو وصى به عطية له فإن كان إنما أوصى بقضاء ديونه مطلقا كان على المكاتب أن يجمع بين الورثة والوصي بقضاء الدين ويدفعه إليهم بحضرته لأن المال للورثة, ولهم أن يقضوا الدين منه ومن غيره وللوصي في قضاء الدين حق فيه لأن لهم منعهم من التصرف في التركة قبل قضاء الدين .
إذا مات رجل وخلف ابنين وعبدا, فادعى العبد أن سيده كاتبه فصدقاه ثبتت الكتابة لأن الحق لهما وإن أنكراه, وكانت له بينة بدعواه ثبتت الكتابة وعتق بالأداء إليهما وإن عجز فلهما رده إلى الرق وإن لم يعجزاه, وصبرا عليه لم يملك الفسخ وإن عجزه أحدهما وأبى الآخر تعجيزه, بقي نصفه على الكتابة وعاد نصفه الآخر رقيقا وإن لم تكن له بينة فالقول قولهما مع أيمانهما لأن الأصل بقاء الرق, وعدم الكتابة وتكون أيمانهم على نفي العلم فيحلفان بالله أنهما لا يعلمان أن أباهما كاتبه, لأنها يمين على نفي فعل الغير فإن حلفا ثبت رقه, وإن نكلا قضى عليها أو ردت اليمين عليه, على قول من قضى بردها فيحلف العبد وتثبت الكتابة وإن حلف أحدهما, ونكل الآخر قضى برق نصفه وكتابة نصفه وإن صدقه أحدهما, وكذبه الآخر ثبتت الكتابة في نصفه وعليه البينة في نصفه الآخر فإن لم تكن له بينة وحلف المنكر, صار نصفه مكاتبا ونصفه رقيقا قنا فإن شهد المقر على أخيه قبلت شهادته لأنه لا يجر بها إلى نفسه نفعا, ولا يدفع بها ضررا فإن كان معه شاهد آخر كملت الشهادة وثبتت الكتابة في جميعه وإن لم يشهد معه غيره, فهل يحلف العبد معه؟ على روايتين وإن لم يكن عدلا أو لم يحلف العبد معه وحلف المنكر, كان نصفه مكاتبا ونصفه رقيقا ويكون كسبه بينه وبين المنكر نصفين, ونفقته من كسبه لأنها على نفسه وعلى مالك نصفه فإن لم يكن له كسب كان على المنكر نصف نفقته, ثم إن اتفق هو ومالك نصفه على المهايأة معاومة أو مشاهرة أو كيفما كان جاز وإن طلب ذلك أحدهما, وامتنع الآخر فظاهر كلام أحمد أنه يجبر عليها وهو قول أبي حنيفة لأن المنافع مشتركة بينهما فإذا أراد أحدهما حيازة نصيبه من غير ضرر, لزم الآخر إجابته كالأعيان ويحتمل أن لا يجبر وهو قول الشافعي لأن المهايأة تأخير حقه الحال لأن المنافع في هذا اليوم مشتركة بينهما فلا تجب الإجابة إليه كتأخير دينه الحال فإن اقتسما الكسب مهايأة, أو مناصفة فلم يف بأداء نجومه فللمقر رده في الرق, وما في يده له خاصة لأن المنكر قد أخذ حقه من الكسب وإن اختلف المنكر والمقر فيما في يد المكاتب فقال المنكر: هذا كان في يده قبل دعوى الكتابة وكسبه في حياة أبينا وأنكر ذلك المقر فالقول قوله مع يمينه لأن المنكر يدعى كسبه في وقت, الأصل عدمه فيه ولأنه لو اختلف هو والمكاتب في ذلك كان القول قول المكاتب, فكذلك من يقوم مقامه وإن أدى الكتابة عتق نصيب المقر خاصة ولم يسر إلى نصيب شريكه لأنه لم يباشر العتق ولم يتسبب إليه, وإنما كان السبب من أبيه وهذا حاك عن أبيه مقر بفعله, فهو كالشاهد ولأن المقر يزعم أن نصيب أخيه حر أيضا لأنه قد قبض من العبد مثل ما قبض فقد حصل أداء مال الكتابة إليهما جميعا, فعتق كله بذلك وولاء هذا النصف للمقر لأن أخاه لا يدعيه وهذا المقر يدعى أنه كله قد عتق بالكتابة وهذا الولاء الذي على هذا النصف نصيبي من الولاء وقال أصحاب الشافعي: في ذلك وجهان: أحدهما, كقولنا والثاني الولاء بين الاثنين لأنه يثبت لموروثهما فكان لهما بالميراث والصحيح ما قلناه لما ذكرناه, ولا يمنع ثبوت الولاء للأب واختصاص أحد الابنين به كما لو ادعى أحدهما دينا لأبيه على إنسان, وأنكره الآخر فإن المدعي يأخذ نصيبه من الدين ويختص به دون أخيه, وإن كان يرثه عن الأب وكذلك لو ادعياه معا وأقاما به شاهدا واحدا, فحلف أحدهما مع الشاهد وأبى الآخر فإن أعتق أحدهما حصته عتق, وسرى إلى باقيه إن كان موسرا وهذا قول الخرقي لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من أعتق شركا له من عبد وكان له ما يبلغ قيمة العبد, قوم عليه قيمة العدل وأعطى شركاؤه حصصهم) ولأنه موسر أعتق نصيبه من عبد مشترك فسرى إلى باقيه, كغير المكاتب وقال أبو بكر والقاضي: لا تعتق إلا حصته لأنه إن كان المعتق المقر فهو منفذ, وإن كان المنكر لم يصر إلى نصيب المقر لأنه مكاتب لغيره وفي سراية العتق إليه إبطال سبب الولاء عليه, فلم يجز ذلك.
قال: [ ولا يمنع المكاتب من السفر ] وجملته أن المكاتب لا يمنع من السفر قريبا كان أو بعيدا وهذا قول الشعبي والنخعي, وسعيد بن جبير والثوري والحسن بن صالح وأبي حنيفة ولم يفرق أصحابنا بين السفر الطويل وغيره, لكن قياس المذهب أن له منعه من سفر تحل نجوم كتابته قبله لأنه يتعذر معه استيفاء النجوم في وقتها والرجوع في وقته عند عجزه فمنع منه كالغريم الذي يحل عليه الدين قبل مدة سفره واختلف قول الشافعي, فقال: في موضع: له السفر وفي قول ليس له السفر فقال بعض أصحابه: فيها قولان وقال بعضهم: ليست على قولين إنما هي على اختلاف حالين فالموضع الذي قال: له السفر إذا كان قصيرا لأنه في حكم الحاضر والموضع الذي منع منه, إذا كان بعيدا يتعذر معه استيفاء نجومه والرجوع في رقه عند عجزه ولنا, أن المكاتب في يد نفسه وإنما للسيد عليه دين فأشبه الحر المدين, وما ذكروه لا أصل له ويبطل بالحر الغريم.
فإن شرط عليه في الكتابة أن لا يسافر فقال القاضي: الشرط باطل وهو قول الحسن, وسعيد بن جبير والشعبي والنخعي, وأبي حنيفة لأنه ينافي مقتضى العقد فلم يصح شرطه كشرط ترك الاكتساب, ولأنه غريم فلم يصح شرط ترك السفر عليه كما لو أقرضه رجل قرضا بشرط أن لا يسافر وقال أبو الخطاب يصح الشرط, وله منعه من السفر وهو قول مالك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (المسلمون على شروطهم) ولأنه شرط له فيه فائدة فلزم كما لو شرط نقدا معلوما وبيان فائدته أنه لا يأمن إباقه وأنه لا يرجع إلى سيده, فيفوت العبد والمال الذي عليه ويفارق القرض فإنه عقد جائز من جانب المقرض متى شاء طالب بأخذه, ومنع الغريم السفر قبل إيفائه فكان المنع من السفر حاصلا بدون شرطه بخلاف الكتابة فإنه لا يمكن السيد منعه من السفر إلا بشرطه وفيه حفظ عبده وماله فلا يمنع من تحصيله وهذا أصح -إن شاء الله تعالى-, وأولى فعلى هذا الوجه لسيده منعه من السفر فإن سافر بغير إذنه, فله رده إن أمكنه وإن لم يمكنه رده احتمل أن له تعجيزه, ورده إلى الرق لأنه لم يف بما شرطه عليه أشبه ما لو لم يف بأداء الكتابة واحتمل أن لا يملك ذلك لأنه مكاتب كتابة صحيحة لم يظهر عجزه, فلم يملك تعجيزه كما لو لم يشترط عليه.
وإن شرط في كتابته أن لا يسأل فقال أحمد: قال جابر بن عبد الله: هم على شروطهم, إن رأيته يسأل تنهاه فإن قال: لا أعود لم يرده عن كتابته في مرة فظاهر هذا أن الشرط صحيح لازم وأنه إن خالف مرة لم يعجزه, وإن خالف مرتين أو أكثر فله تعجيزه قال أبو بكر: إذا رآه يسأل مرة في مرة عجزه, كما إذا حل نجم في نجم عجزه فاعتبر المخالفة في مرتين كحلول نجمين وإنما صح الشرط لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (المسلمون على شروطهم) ولأن له في هذا فائدة وغرضا صحيحا وهو أن لا يكون كلا على الناس, ولا يطعمه من صدقتهم وأوساخهم وذكر أبو الخطاب أنه لا يصح الشرط لأن الله تعالى جعل للمكاتب سهما من الصدقة بقوله تعالى: {وفي الرقاب} وهم المكاتبون, فلم يصح اشتراط ترك طلب ما جعله الله تعالى.
قال: [ وليس له أن يتزوج إلا بإذن سيده ] وهذا قول الحسن ومالك والليث, وابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي, وأبي يوسف وقال الحسن بن صالح: له ذلك لأنه عقد معاوضة أشبه البيع ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر) ولأن على السيد فيه ضررا, لأنه ربما عجز فيرجع إليه ناقص القيمة ويحتاج أن يؤدى المهر والنفقة من كسبه فيعجز عن تأدية نجومه, فيمنع من ذلك كالتبرع به إذا ثبت هذا فإنه إذا تزوج لم يصح تزويجه وقال الثوري: نكاحه موقوف إن أدى تبينا أنه كان صحيحا, وإن عجز فنكاحه باطل ولنا الخبر ولأنه تصرف منع منه للضرر فلم يصح, كالهبة وما ذكره لا أصل له فإذا ثبت هذا فإنه يفرق بينهما, فإن كان قبل الدخول فلا مهر لها وإن كان بعده, فعليه مهر مثلها يؤدى من كسبه لأنه بمنزلة جنايته وإن أتت بولد لحقه نسبه لأنه من وطء في نكاح فاسد, فإن كانت المرأة حرة فهو حر وإن كانت أمة, فولدها رقيق لسيدها فأما إن أذن له سيده في النكاح صح منه في قولهم جميعا فإن الخبر يدل بمفهومه على صحة تزويجه إذا أذن له, ولأن المنع من نكاحه لحق سيده فإذا أذن له زال المانع, ولأنه لو أذن لعبده القن في النكاح صح منه فالمكاتب أولى.
وليس له التسري بغير إذن سيده لأن ملكه غير تام وقال الزهري: لا ينبغي لأهله أن يمنعوه من التسري ولنا, أن ملكه ناقص وعلى السيد فيه ضرر فيمنع منه, كالتزويج وبيان الضرر فيه أنه ربما أحبلها والحبل مخوف في بنات آدم فربما تلفت وربما ولدت, فصارت أم ولد فيمتنع عليه بيعها في أداء كتابتها وإن عجزت رجعت إلى السيد ناقصة, فإذا منع من التزويج لضرره فهذا أولى فأما إن أذن له سيده في التسري جاز له وقال الشافعي: لا يجوز له ذلك وإن أذن فيه سيده في أحد القولين لأنه أمر يضر به, وربما أفضى إلى منعه من العتق فلم يجز وإن أذن فيه سيده ولأنه ناقص الملك, فلم يجز له التسري كوطء الجارية المشتركة ولنا أنه لو أذن لعبده القن في التسري, جاز فالمكاتب أولى ولأن المنع كان لأجل الضرر بالسيد, فجاز تأديبه كالتزويج إذا ثبت هذا فإنه إذا تسري بإذن سيده, أو غير إذنه فلا حد عليه لشبهة الملك ولا مهر عليه لأنه لو وجب لوجب له, ولا يجب على الإنسان شيء لنفسه وإن حبلت فالنسب لاحق به لأن الحد إذا سقط بالشبهة لحقه النسب, ويكون الولد مملوكا له لأنه ابن أمته ولا يعتق عليه لأن ملكه غير تام وليس له بيعه لأنه ولده, ويكون موقوفا على كتابته فإن أدى عتق وعتق الولد لأنه ملك لأبيه الحر, وإن عجز وعاد إلى الرق فولده رقيق أيضا, ويكونان مملوكين للسيد فأما الأمة فإن ولدت قبل عتقه وعجزه فإنها تصير أم ولد للمكاتب, وليس له بيعها نص عليه أحمد لأن ولدها له حرمة الحرية ولا يجوز بيعه ويعتق بعتق أبيه فكذلك أمه فعلى هذا, لا يجوز بيعها وتكون موقوفة على المكاتب إن عتق, فهي أم ولده وإن رق رقت وقال القاضي, في موضع: لا تصير أم ولد بحال وله بيعها لأنها حملت بمملوك في ملك غير تام وللشافعي قولان, كهذين الوجهين وإن وضعته بعد عتقه لأقل من ستة أشهر تبينا أنها حملت به في حال رقه فالحكم على ما مضى وإن أتت به لأكثر من ستة أشهر حكمنا أنها حملته حرا لأننا لم نتيقن وجوده في حال الرق, وتكون أم ولد لأنها علقت بحر في ملكه وللشافعي من التفصيل نحو مما ذكرنا.
وليس للمكاتب أن يزوج عبيده وإماءه بغير إذن سيده وهذا قول الشافعي وابن المنذر وذكر عن مالك أن له ذلك, إذا كان على وجه النظر لأنه عقد على منفعة فملكه كالإجارة وهو الذي قاله أبو الخطاب, في " رءوس المسائل " وحكى عن القاضي أنه قال في " الخصال ": له تزويج الأمة دون العبد وهو قول أبي حنيفة لأنه يأخذ عوضا عن تزويجها بخلاف العبد, ولأنه عقد ذمة على منافعها فأشبه إجارتها ولنا أن على السيد فيه ضررا لأنه إن زوج العبد, لزمته نفقة امرأته ومهرها وشغله بحقوق النكاح ونقص قيمته, وإن زوج الأمة ملك الزوج بضعها ونقصت قيمتها, وقلت الرغبات فيها وربما امتنع بيعها بالكلية وليس ذلك من جهات المكاتب, فربما عجزه ذلك عن أداء نجومه وإن عجز عاد رقيقا للسيد, مع ما تعلق بهم من الحقوق ولحقهم من النقص فلم يجز ذلك له, كإعتاقهم وفارق إجارة الدار فإنها من جهات المكاسب عادة فعلى هذا, إن وجب تزويجهم لطلبهم ذلك وحاجتهم إليه, باعهم فإن العبد متى طلب التزويج خير سيده بين بيعه وتزويجه وإن أذن له السيد في ذلك جاز لأن الحق له, والمنع من أجله فجاز بإذنه.
وليس له إعتاق رقيقه إلا بإذن سيده وبهذا قال الحسن, والأوزاعي ومالك والشافعي, وأبو حنيفة لأن فيه ضررا على سيده بتفويت ماله فيما لا يحصل له به مال فأشبه الهبة فإن أعتق, لم يصح إعتاقه ويتخرج أن يصح ويقف على إذن سيده وقال أبو بكر: هو موقوف على آخر أمر المكاتب فإن أدى عتق معتقه, وإن لم يؤد رق قال القاضي: هذا قياس المذهب كقولنا في ذوي الأرحام, إنهم موقوفون ولنا أنه تبرع بماله بغير إذن سيده فكان باطلا, كالهبة ولأنه تصرف تصرفا منع منه لحق سيده فكان باطلا, كسائر ما يمنع منه ولا يصح قياسه على ذوي أرحامه لأن عتق ذوي أرحامه ليس بتصرف منه وإنما يعتقهم الشرع على مالكهم بملكهم والمكاتب ملكه ناقص, فلم يعتق به فإذا عتق كمل ملكه فعتقوا حينئذ, والمعتق إنما يعتق بالإعتاق الذي كان باطلا فلا تتيقن صحته إذا كمل الملك لأن كمال الملك في الثاني لا يوجب كونه كاملا حين الإعتاق وكذلك لا يصح سائر تبرعاته بأدائه فأما إن أذن فيه سيده, صح وقال الشافعي في أحد القولين: لا يصح لأن تبرعه بماله يفوق المقصود من كتابته وهو العتق الذي هو حق لله تعالى, أو فيه حق له فلا يجوز تفويته ولأن العتق لا ينفك من الولاء والعبد ليس من أهله, ولأن ملك المكاتب ناقص والسيد لا يملك إعتاق ما في يده ولا هبته فلم يصح لأنه فيه ولنا, أن الحق لا يخرج عنهما فإذا اتفقا على التبرع به جاز, كالراهن والمرتهن وما ذكروه يبطل بالنكاح فإنه لا يملك ولا يملكه السيد عليه وإذا أذن له فيه, جاز وأما الولاء فإنه يكون موقوفا فإن عتق المكاتب كان له, وإلا فهو لسيده كما يرق مماليكه من ذوي أرحامه هذا قول القاضي وقال القاضي أبو بكر: يكون لسيده لأن إعتاقه إنما صح بإذن سيده فكان كالنائب له.
والمكاتب محجور عليه في ماله, فليس له استهلاكه ولا هبته وبهذا قال الحسن ومالك, والثوري والشافعي وأصحاب الرأي, ولا أعلم فيه مخالفا لأن حق سيده لم ينقطع عنه لأنه قد يعجز فيعود إليه, ولأن القصد من الكتابة تحصيل العتق بالأداء وهبة ماله تفوت ذلك وإن أذن فيه سيده جاز وقال أبو حنيفة: لا يجوز لأنه يفوت المقصود بالكتابة وعن الشافعي فيه كالمذهبين ولنا أن الحق لا يخرج عنهما, فجاز باتفاقهما كالراهن والمرتهن فأما الهبة بالثواب فلا تصح وقال الشافعي, في أحد قوليه: تصح لأن فيها معاوضة ولنا أن الاختلاف في تقدير الثواب يوجب الغرر فيها, ولأن عوضها يتأخر فتكون كالبيع نسيئة وإن أذن فيها السيد جازت وإن وهب لسيده, جاز لأن قبوله الهبة إذن فيها وكذلك إن وهب لابن سيده الصغير.
ولا يحابي في البيع ولا يزيد في الثمن الذي اشترى به ولا يعير دابة, ولا يهدي هدية وأجاز ذلك أصحاب الرأي ويحتمل جواز إعارة دابته وهدية المأكول ودعائه إليه لأن ذلك يجوز للمأذون له ولا ينحط المكاتب عن درجته ووجه الأول, أنه تبرع بماله فلم يجز كالهبة ولا يوصى بماله ولا يحط عن المشتري شيئا, ولا يقرض ولا يضمن ولا يتكفل بأحد وبه قال الشافعي, وأصحاب الرأي لأن ذلك تبرع بماله فمنع منه كالهبة.
وليس له أن يحج إن احتاج إلى إنفاق ماله فيه ونقل الميموني عن أحمد, للمكاتب أن يحج من المال الذي جمعه إذا لم يأت نجمه وهذا محمول على أنه يحج بإذن سيده أما بغير إذنه, فلا يجوز لأنه تبرع بما ينفق مالا فيه فلم يجز كالعتق فأما إن أمكنه الحج من غير إنفاق ماله, كالذي تبرع إنسان بإحجاجه أو يخدم من ينفق عليه فيجوز إذا لم يأت نجمه لأن هذا يجري مجرى تركه للكسب, وليس ذلك مما يمنع منه.
وليس للمكاتب أن يكاتب إلا بإذن سيده وهذا قول الحسن والشافعي لأن الكتابة نوع إعتاق فلم تجز من المكاتب, كالمنجز ولأنه لا يملك الإعتاق فلم يملك الكتابة, كالمأذون له في التجارة واختار القاضي جواز الكتابة وهو الذي ذكره أبو الخطاب في " رءوس المسائل " وهو قول مالك وأبي حنيفة, والثوري والأوزاعي لأنه نوع معاوضة فأشبه البيع وقال أبو بكر: هو موقوف - كقوله في العتق المنجز فإن أذن فيها السيد, صحت وقال الشافعي: فيها قولان وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم فإذا كاتب عبده فعجزا جميعا صارا رقيقين للسيد وإن أدى المكاتب الأول, ثم أدى الثاني فولاء كل واحد منهما لمكاتبه وإن أدى الأول وعجز الثاني, صار رقيقا للأول وإن عجز الأول وأدى الثاني فولاؤه للسيد الأول وإن أدى الثاني قبل عتق الأول, عتق قال أبو بكر: وولاؤه للسيد وهو قول أبي حنيفة لأن العتق لا ينفك عن الولاء والولاء لا يوقف لأنه سبب يورث به فهو كالنسب ولأن الميراث لا يقف, كذلك سببه وقال القاضي: هو موقوف إن أدى عتق والولاء له, وإلا فهو للسيد وهذا أحد قولي الشافعي لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الولاء لمن أعتق) ولأن العبد ليس بملك له ولا يجوز أن يثبت له الولاء على من لم يعتق في ملكه وقولهم: لا يجوز أن يقف كما لم يقف النسب والميراث فليس كذلك فإن النسب يقف على بلوغ الغلام, وانتسابه إذا لم تلحقه القافة بأحد الواطئين وكذلك الميراث يوقف على أن الفرق بين النسب والميراث, وبين الولاء أن الولاء لا يجوز أن يقع لشخص ثم ينتقل, وهو ما يجره موالى الأب من مولى الأم فجاز أن يكون موقوفا والنسب والميراث بخلاف ذلك فإن مات المعتق قبل عتق المكاتب, وقلنا: الولاء للسيد ورثه وإن قلنا: هو موقوف فميراثه أيضا موقوف.
وليس له أن يبيع نسيئة وإن باع السلعة بأضعاف قيمتها وهذا مذهب الشافعي لأن فيه تغريرا بالمال وهو ممنوع من التغرير بالمال, لتعلق حق السيد به قال القاضي: ويتخرج الجواز بناء على الضارب أن له البيع نسيئة في إحدى الروايتين, فيخرج ها هنا مثله وسواء أخذ بالثمن ضمينا أو رهنا أو لم يأخذ لأن الغرر لم يزل, فإن الرهن يحتمل أن يتلف ويحتمل أن يفلس الغريم والضمين ويحتمل أن يجوز مع الرهن أو الضمين لأن الوثيقة قد حصلت به, والعوارض نادرة على خلاف الأصل فإن باع بأكثر مما يساوي حالا وجعل الزيادة مؤجلة جاز لأن الزيادة ربح وإن اشترى نسيئة, جاز لأنه لا غرر فيه ولا يجوز أن يدفع به رهنا لأن الرهن أمانة وقد يتلف أو يجحده الغريم وليس له أن يدفع ماله سلما لأنه في معنى البيع نسيئة وله أن يستسلف في ذمته لأنه في معنى الشراء نسيئة وليس له أن يقرض لأنه تبرع بالمال وفيه خطر به وله أن يقترض لأنه ينتفع بالمال وليس له أن يدفع ماله مضاربة لأنه يسلمه إلى غيره, فيغرر به وله أن يأخذ المال قراضا لأنه من أنواع الكسب ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله على ما ذكرنا.
وللمكاتب أن يبيع ويشتري بإجماع من أهل العلم لأن عقد الكتابة لتحصيل العتق ولا يحصل إلا بأداء عوضه, ولا يمكنه الأداء إلا بالاكتساب والبيع والشراء من أقوى جهات الاكتساب فإنه قد جاء في بعض الآثار, أن تسعة أعشار الرزق في التجارة وله أن يأخذ ويعطى فيما فيه الصلاح لماله والتوفير عليه وله أن ينفق مما في يده من المال على نفسه في مأكله, ومشربه وكسوته بالمعروف مما لا غناء له عنه وعلى رقيقه, والحيوان الذي له وله تأديب عبيده وتعزيرهم إذا فعلوا ما يستحقون ذلك لأنه من مصلحة ملكه, فملكه كالنفقة عليهم ولا يملك إقامة الحد عليهم لأن هذا موضع ولاية وليس هو من أهلها وله المطالبة بالشفعة, والأخذ بها لأنه نوع شراء فإن كان المشتري للشقص سيده فله أخذه منه لأن له أن يشتري منه وإن اشترى المكاتب شقصا لسيده فيه شركة, فله أخذه من المكاتب بالشفعة لأنه مع سيده في باب البيع والشراء كالأجنبي. وإن وجبت للسيد على مكاتبه شفعة فادعى المكاتب أن سيده عفا عنها سمعت دعواه وإن أنكره السيد, كان عليه اليمين. وإن أذن السيد لمكاتبه في البيع بالمحاباة صح منه وكان لسيده الأخذ بالشفعة لأن بيعه بالمحاباة - مع إذن سيده فيه - صحيح. يصح إقرار المكاتب بالبيع والشراء, والعيب والدين لأنه يصح تصرفه فيه بذلك ومن ملك شيئا, فله الإقرار به.
قال: [ ولا يبيعه سيده درهما بدرهمين ] وجملته أن الربا يجري بين العبد وبين سيده فلم يجز أن يبيعه درهما بدرهمين كالأجنبيين وقال ابن أبي موسى: لا ربا بينهما لأنه عبد في الأظهر من قوله, ولا ربا بين العبد وسيده ولهذا جاز أن يعجل لسيده ويضع عنه بعض كتابته, وله وطء مكاتبته إذا شرط ولو حملت منه صارت له بذلك أم ولد ووجه قول الخرقي: أن السيد مع مكاتبه في باب المعاملة كالأجنبي بدليل أن لكل واحد منهما الشفعة على صاحبه ولا يملك كل واحد منهما التصرف فيما في يد صاحبه, وإنما يتعلق لسيده حق في ما بيده لكونه بعرضية أن يعجزه فيعود إليه وهذا لا يمنع جريان الربا بينهما, كالأب مع ابنه فعلى هذا القول لا يجوز التفاضل بينهما فيما يحرم التفاضل فيه بين الأجنبيين ولا النساء في ما يحرم النساء فيه بين الأجانب.
فإن كان لكل واحد منهما على صاحبه دين, مثل إن كان للسيد على المكاتب دين من الكتابة أو غيرها وللمكاتب على سيده دين وكانا نقدا من جنس واحد, حالين أو مؤجلين أجلا واحدا تقاصا, وتساقطا لأنهما إذا تساقطا بين الأجانب فمع السيد ومكاتبه أولى وإن كانا نقدين من جنسين كدراهم ودنانير, فقال ابن أبي موسى: لو كان له على سيده ألف درهم ولسيده عليه مائة دينار فجعلها قصاصا بها, جاز بخلاف الحرين وقال القاضي: لا يجوز هذا لأنه بيع دين بدين وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الدين بالدين ولأنه لا يجوز بين الأجنبيين, فلم يجز بين المكاتب وسيده كسائر المحرمات وفارق العبد القن فإنه باق في تصرف سيده, وما في يده ملك خالص لسيده له أخذه والتصرف فيه فعلى هذا لا يجوز مع التراضي به وعلى قول أبي موسى: يجوز إذا تراضيا بذلك, وتبايعاه ولا يثبت التقابض قبل تراضيهما به لأنه بيع فأما إن كانا عرضين أو عرضا ونقدا, لم تجز المقاصة فيهما بغير تراضيهما بحال سواء كان القرض من جنس حقه أو غير جنسه وإن تراضيا بذلك لم يجز أيضا لأنه بيع دين بدين وإن قبض أحدهما من الآخر حقه, ثم دفعه إلى الآخر عوضا عن ماله في ذمته جاز إذا لم يكن الثابت في الذمة عن سلم, فإن ثبت عن سلم لم يجز أخذ عوضه قبل قبضه وفي الجملة إن حكم المكاتب مع سيده في هذا, حكم الأجانب إلا على قول ابن أبي موسى الذي ذكرناه والله أعلم.
قال: [ وليس للرجل أن يطأ مكاتبته إلا أن يشترط ] الكلام في هذه المسألة في فصلين:
في وطئها بغير شرط, وهو حرام في قول أكثر أهل العلم منهم: سعيد بن المسيب والحسن, والزهري ومالك والليث, والثوري والأوزاعي والشافعي, وأصحاب الرأي وقيل: له وطؤها في الوقت الذي لا يشغلها الوطء عن السعى عما هي فيه لأنها ملك يمينه فتدخل في عموم قوله تعالى:
إذا شرط وطأها فله ذلك وبه قال سعيد بن المسيب وقال سائر من ذكرنا: ليس له وطؤها لأنه لا يملكه مع إطلاق العقد فلم يملكه بالشرط, كما لو زوجها أو أعتقها وقال الشافعي: إذا شرط ذلك في عقد الكتابة فسد لأنه شرط فاسد فأفسد العقد, كما لو شرط عوضا فاسدا وقال مالك: لا يفسد العقد به لأنه لا يخل بركن العقد ولا شرطه فلم يفسده, كالصحيح ولنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (المؤمنون عند شروطهم) ولأنها مملوكة له شرط نفعها, فصح كشرط استخدامها يحقق هذا أن منعه من وطئها مع بقاء ملكه عليها, ووجود المقتضى لحل وطئها إنما كان لحقها فإذا شرطه عليها, جاز كالخدمة ولأنه استثنى بعض ما كان له, فصح كاشتراط الخدمة وفارق البيع لأنه يزيل ملكه عنها.
فإن وطئها مع الشرط, فلا حد عليه ولا تعزير ولا مهر لأنه وطء يملكه ويباح له, فأشبه وطأها قبل كتابتها وإن وطئها من غير شرط فقد أساء, وعليه التعزير لأنه وطء محرم ولا حد عليه في قول عامة الفقهاء لا نعلم فيه خلافا, إلا عن الحسن والزهري فإنهما قالا: عليه الحد لأنه عقد عليها عقد معاوضة يحرم الوطء فأوجب الحد بوطئها, كالبيع ولنا أنها مملوكته فلم يجب الحد بوطئها, كأمته المستأجرة والمرهونة وتخالف البيع فإنه يزيل الملك والكتابة لا تزيله بدليل قوله عليه السلام: (المكاتب عبد ما بقي عليه درهم) وعليه مهرها لها لأنه استوفى منفعتها الممنوع من استيفائها, فكان عليه عوضها كمنافع بدنها.
وإن أولدها صارت أم ولد له, سواء وطئها بشرط أو بغير شرط لأنه أحبلها بحر في ملكه فكانت أم ولده كغير المكاتبة, والولد حر لأنه ولده من مملوكته ويلحقه نسبه لذلك ولأنه من وطء سقط فيه الحد للشبهة, فأشبه ولد المغرور ولا تلزمه قيمته لأنها وضعته في ملكه.
وليس له وطء بنتها لأنها تابعة لأمها موقوفة معها فلم يبح وطؤها كأمها, ولا يباح ذلك بالشرط لأن حكم الكتابة ثبت فيها تبعا ولم يكن وطؤها مباحا حال العقد بشرطه فإن وطئها فلا حد عليه لأنها ملكه ويأثم, ويعزر لأنه وطئ فرجا محرما ولها مهر عليه حكمه حكم كسبها, يكون لأمها تستعين به في كتابتها لأن ذلك سبب حريتها وإن أحبلها صارت أم ولد له والولد حر لأنه أحبلها بحر في ملكه, ويلحقه نسبه ولا تجب عليه قيمتها لأن أمها لا تملكها ولا قيمة ولدها لأنها وضعته في ملكه.
وليس له وطء جارية مكاتبته ولا مكاتبه اتفاقا, فإن فعل أثم وعزر ولا حد عليه لشبهة الملك لأنه يملك مالكها, وعليه مهرها لسيدها وولده منها حر يلحقه نسبه لأن الحد سقط لشبهة الملك, وتصير أم ولد له وعليه قيمتها لسيدها لأنه أخرجها بوطئه عن ملكه وكان عليه قيمتها لسيده, ولا تجب عليه قيمة الولد لأنها وضعته في ملكه ويحتمل أن تلزمه قيمته لأنه أخرجه بوطئه عن أن يكون مملوكا لسيدها فأشبه ولد المغرور.
ولا يملك إجبار مكاتبته ولا ابنتها ولا أمتها على التزويج لأنه زال ملكه بعقد الكتابة عن نفعها ونفع بضعها, وعن عوضه وليس لواحدة منهما التزويج بغير إذن لأن عليه ضررا في ذلك فإنه يثبت للزوج حقا فيها فربما عجزت, وعادت إليه على وجه لا يملك وطأها فإن تراضيا بذلك جاز لأن الحق لا يخرج عنهما وهو وليها وولى ابنتها وجاريتها جميعا لأن الملك له, فأشبه الجارية القن والمهر للمكاتبة على ما ذكرنا في مهرهن إذا وطئهن السيد.
قال: [ فإن وطئها ولم يشترط أدب, ولم يبلغ به حد الزاني وكان عليه مهر مثلها ] وجملة الأمر أن السيد إذا وطئ مكاتبته من غير شرط فقد ذكرنا أنه لا حد عليه, لكن إن كانا عالمين بالتحريم عزرا وإن كانا جاهلين, عذرا وإن كان أحدهما عالما والآخر جاهلا عزر العالم وعذر الجاهل ولا يخرج بالوطء عن الكتابة وقال الليث: إن طاوعته, فقد فسخت كتابتها وعادت قنا ولنا أنه عقد لازم, فلم ينفسخ بالمطاوعة على الوطء كالإجارة والبيع بعد لزومه فأما المهر, فإنه يجب لها أكرهها أو طاوعته وبه قال الحسن والثوري, والحسن بن صالح والشافعي وقال قتادة: يجب إذا أكرهها ولا يجب إذا طاوعته ونقله المزني عن الشافعي لأن المطاوعة بذلت نفسها بغير عوض, فصارت كالزانية ومنصوص الشافعي وجوبه في الحالين وأنكر أصحابه ما نقله المزني وقالوا: لا يعرف وقال مالك: لا شيء عليه لأنها ملكه ولنا أنه عوض منفعتها, فوجب لها كعوض بدنها ولأن المكاتبة في يد نفسها, ومنافعها لها ولهذا لو وطئها أجنبي كان المهر لها, وإنما وجب في حال المطاوعة لأن الحد يسقط عنه لشبهة الملك فوجب لها المهر كما لو وطئ امرأة بشبهة عقد مطاوعة فإن تكرر وطؤها, وكان قد أدى مهر الوطء الأول فللثاني مهر أيضا لأن الأداء قطع حكم الوطء الأول وإن لم يكن أدى عن الأول, لم يجب إلا مهر واحد لأن هذا عن وطء الشبهة فلم يكن إلا مهرا واحدا كالوطء في النكاح الفاسد.
وإذا وجب لها المهر, فإن كان لم يحل عليها نجم فلها المطالبة وإن كان قد حل عليها, فكان المهر من غير جنسه فلها المطالبة به أيضا وإن كان من جنسه تقاصا, وأخذ ذو الفضل فضله.
قال: [ فإن علقت منه فهي مخيرة بين العجز وتكون أم ولد وبين المضي على كتابتها فإن أدت عتقت, وإن عجزت عتقت بموته وإن مات قبل عجزها انعتقت لأنها من أمهات الأولاد ويسقط عنها ما بقي من كتابتها وما في يدها لورثة سيدها ] وجملته أن السيد إذا استولد مكاتبته فالولد حر لأنه من مملوكته ونسبه لاحق به ولا تجب قيمته لذلك وتصير أم ولد له لذلك ولا تبطل كتابتها لأنه عقد لازم من جهة سيدها وقد اجتمع لها سببان يقتضيان العتق أيهما سبق صاحبه ثبت حكمه هذا قول الزهري ومالك والثوري والليث والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال الحكم: تبطل كتابتها لأنها سبب للعتق فتبطل بالاستيلاد كالتدبير ولنا أنها عقد معاوضة فلا تبطل بالوطء كالبيع, ولأنها سبب للعتق لا يملك السيد الرجوع عنه فلم تبطل بذلك كالتعليق بصفة وما ذكروه يبطل بالتعليق بالصفة وتفارق الكتابة التدبير من وجوه أحدها أن حكم التدبير والاستيلاد واحد وهو العتق عقيب الموت والاستيلاد أقوى لأنه يعتبر من رأس المال ولا سبيل إلى إبطاله بحال فاستغنى به عن التدبير, والكتابة سبب يتعجل بها العتق بالأداء ويكون ما فضل من كسبها لها ويملك بها منافعها وكسبها وتخرج عن تصرف سيدها وهذا لا يحصل بالاستيلاد فيجب أن تبقى لبقاء فائدتها الثاني أن الكتابة أقوى من التدبير للزومها وكونها لا تبطل بالرجوع عنها ولا ببيع المكاتب ولا هبته الثالث أن التدبير تبرع والكتابة عقد معاوضة لازم فإذا ثبت هذا فإنه يجتمع لها سببان كل واحد منهما يقتضي الحرية فأيهما تم قبل صاحبه ثبتت الحرية به كما لو انفرد لأن انضمام أحدهما إلى الآخر مع كونه لا ينافيه لا يمنع ثبوت حكمه فإن أدت عتقت بالكتابة وما فضل من كسبها فهو لها لأن المعتق بالكتابة له ما فضل من نجومه وإن عجزت وردت في الرق بطل حكم الكتابة وبقي لها حكم الاستيلاد منفردا كما لو لم تكن مكاتبة, وله وطؤها وتزويجها وإجارتها وتعتق بموته وما في يدها لورثة سيدها وإذا مات سيدها قبل عجزها انعتقت لأنها أم ولد وتسقط الكتابة لأن الحرية حصلت فسقط العوض المبذول في تحصيلها كما لو باشرها سيدها بالعتق وما في يدها لورثة سيدها في قول الخرقي وأبي الخطاب لأنها عتقت بحكم الاستيلاد وبطل حكم الكتابة فأشبهت غير المكاتبة وقال القاضي في " المجرد " وابن عقيل في " كتابه ": ما فضل في يدها لها وهو قول الشافعي لأن العتق إذا وقع في الكتابة لا يبطل حكمها كالإبراء من نجوم الكتابة ولأن ملكها كان ثابتا على ما في يدها ولم يحدث إلا ما يزيل حق سيدها عنها فيقتضي زوال حقه عما في يدها وتقرير ملكها وخلوصه لها كما اقتضى ذلك في نفسها, وهذا أصح والله أعلم.
وإن أعتقها سيدها عتقت وسقطت كتابتها وما في يدها لها في قول القاضي ومن وافقه فأما على قول الخرقي ومن وافقه, فقياسه أن يكون لسيدها كما لو عتقت بالاستيلاد ويحتمل أن يكون لها على قولهم أيضا لأن السيد أعتقها برضاه فيكون رضي منه بإعطائها مالها بخلاف العتق بالاستيلاد فإنه حصل بغير رضي الورثة واختيارهم ولأنه لو كان مال المكاتب يصير للسيد بإعتاقه لتمكن السيد من أخذ مال المكاتب متى شاء فمتى كان له غرض في أخذ ماله, إما لكثرته وفضله عن نجوم كتابته وإما لغرض له في بعض أعيان ماله أعتقه وأخذ ماله, وهذا ضرر على المكاتب لم يرد الشرع به ولا يقتضيه عقد الكتابة فوجب أن لا يشرع.
وإن أتت بولد من غير سيدها بعد استيلادها فله حكمها في العتق بكل واحد من السببين أيهما سبق عتق به كالأم سواء لأنه تابع لها فيثبت له ما يثبت لها وإن ماتت المكاتبة بقي للولد سبب الاستيلاد وحده وإن اختلفا في ولدها فقالت: ولدته بعد كتابتي أو بعد ولايتي وقال السيد: بل قبله فقال أبو بكر: القول قول السيد مع يمينه وهذا قول الشافعي لأن الأصل كون الأمة وولدها رقيقا لسيدهما التصرف فيهما وهي تدعي ما يمنع التصرف وإن زوج مكاتبه أمته ثم باعها منه واختلفا في ولدها فقال السيد: هو لي لأنها ولدته قبل بيعها لك وقال المكاتب: بل بعده فالقول قول المكاتب لأنهما في ملكه ويد المكاتب عليه فكان القول قول صاحب اليد مع يمينه كسائر الأموال ويفارق ولد المكاتبة لأنها لا تدعي ملكه.
إذا كانت الأمة بين شريكين فكاتباها ثم وطئها أحدهما أدب فوق أدب الواطئ لمكاتبته الخالصة له لأن الوطء ها هنا حرم من وجهين الشركة والكتابة, فهو آكد وإثمه أعظم وأدبه أكثر وعليه مهر مثلها على ما أسلفناه فيما إذا كان السيد واحدا فإن لم يكن حل نجم قبضت المهر, فإذا حل نجمها سلمته إليهما وإن حل نجمها وهو من جنس مال الكتابة وكان في يدها بقدره دفعته إلى الذي لم يطأها واحتسبت على الواطئ بالمهر وإن لم يكن في يدها شيء وكان بقدر نجمها أو دونه أخذت من الواطئ نصفه وسلمته إلى الآخر, وإن لم يكن من جنس مال الكتابة فاتفقا على أخذه عوضا عن مال الكتابة فالحكم فيه كما لو كان من جنسها وإن لم يتفقا قبضته ودفعته مما عليها من مال الكتابة من عوضه أو غيره وإن عجزت فسخا الكتابة وكان في يدها بقدر المهر أخذه الذي لم يطأ وسقط المهر من ذمة الواطئ وإن لم يكن في يدها شيء كان للذي لم يطأ أن يرجع على الواطئ بنصفه لأنه وطئ جارية مشتركة بينهما, فإن حبلت منه صارت أم ولد له وعليه نصف قيمتها لشريكه مع نصف المهر الواجب لها - موسرا كان أو معسرا - إلا أنه إن كان موسرا أداه في الحال وإن كان معسرا فهو في ذمته هذا ظاهر كلام الخرقي ذكر مثل هذا في باب العتق فعلى هذا تصير أم ولد للواطئ, ومكاتبته له كأنه اشتراها وتكون مبقاة على ما بقي من كتابتها وتعتبر قيمتها بما تساوي مكاتبته مبقاة على ما بقي عليها من كتابتها واختار القاضي أنه إن كان معسرا لم يسر الإحبال لأنه بمنزلة الإعتاق بالقول يعتبر اليسار في سرايته ونصيب الواطئ قد ثبت له حكم الاستيلاد وحكم الكتابة ونصيب شريكه لم يثبت له إلا حكم الكتابة, فإن أدت إليهما عتقت وبطل حكم الاستيلاد وإن عجزت وفسخا الكتابة ثبت لنصفها حكم الاستيلاد ونصفها قن لا يقوم على الوارث وإن كان موسرا لأنه ليس بمعتق وإن مات الواطئ قبل عجزها عتق نصيبه وسقط حكم الكتابة فيه وكان الباقي مكاتبا, وإن كان الواطئ موسرا فقد ثبت لنصفها حكم الاستيلاد ونصفها الآخر موقوف فإن أدت إليهما عتقت كلها وولاؤها لهما, وإن عجزت وفسخا الكتابة قومناها حينئذ على الواطئ فيدفع إلى شريكه قيمة نصيبه وتصير جميعها أم ولد له فإن مات عتقت عليه وكان ولاؤها له وهذا مذهب الشافعي وله قول آخر: أنها تقوم على الموسر وتبطل الكتابة في نصف الشريك, وتصير جميعها أم ولد ونصفها مكاتبا للواطئ فإن أدت نصيبه إليه عتقت وسرى إلى الباقي لأنه ملكه وعتق جميعها وإن عجزت ففسخ الكتابة كانت أم ولد له خاصة, فإذا مات عتقت كلها ولنا أن بعضها أم ولد فكان جميعها كذلك كما لو كان الشريك موسرا يحقق هذا أن الولد حاصل من جميعها وهو كله من الواطئ ونسبه لاحق به فيجب أن يثبت ذلك لجميعها, ويفارق الإعتاق فإنه أضعف على ما بينا من قبل ولنا على أن الكتابة لا تبطل بالتقويم أنها عقد لازم فلا تبطل مع بقائها بفعل صدر منه كما لو استولدها وهي في ملكه, وكما لو لم تحبل منه فأما الولد فإنه حر لأنه من وطء فيه شبهة ونسبه لاحق به كذلك ولا يلزمه قيمته لأنها وضعته في ملكه وروي عن أحمد في هذا روايتان إحداهما لا تجب قيمته لأن نصيب شريكه انتقل إليه من حين العلوق وفي تلك الحال لم تكن له قيمة فلم يضمنه والثانية عليه نصف قيمته لأنه كان من سبيل هذا النصف أن يكون مملوكا لشريكه فقد تلف رقه عليه فكان عليه نصف قيمته قال القاضي: هذه الرواية أصح على المذهب وذكر هاتين الروايتين أبو بكر واختار أنها إن وضعته بعد التقويم فلا شيء على الواطئ, وإن وضعته قبل التقويم غرم نصف قيمته فإن ادعى الواطئ الاستبراء وأتت بالولد لأكثر من ستة أشهر من حين الاستبراء لم يلحق به ولم تصر أم ولد وكان حكم ولدها حكمها وإن أتت به لأقل من ستة أشهر من حين الاستبراء لحق به كما لو كان قبل الاستبراء لأنا تبينا أنها كانت حاملا وقت الاستبراء فلم يكن ذلك استبراء.
وإن وطئاها جميعا فقد وجب لها على كل واحد منهما مهر مثلها, فإن كانت في الحالين على صفة واحدة فهما سواء في الواجب عليهما وإن كانت بكرا حين وطئها الأول فعليه مهر بكر وعلى الآخر مهر ثيب, فإن كان نجمها لم يحل فلها مطالبتهما بالمهرين وإن كان النجم قد حل وهو من جنس المهر تقاصا على ما ذكرنا في المقاصة فإن أدت إليهما عتقت, وكان لهما المطالبة بالمهرين وإن عجزت عن نفسها وفسخا الكتابة بعد قبضها المهرين لم يملك أحدهما مطالبة الآخر بشيء لأنها قبضتهما وهي مستحقة لذلك فإن كانا في يدها اقتسماهما, وإن تلفا أو بعضهما فلا شيء لهما لأن السيد لا يثبت له دين على مملوكه وإن كان الفسخ قبل قبض المهرين - وهما سواء - سقط عن كل واحد ما عليه وإن كان أحدهما أكثر من الآخر تقاص منهما بقدر أقلهما على الآخر بنصف الزيادة, وإن قبضت البعض من أحدهما دون الآخر رجع المقبوض منه على الآخر بنصف ما عليه وإن قبضت البعض من أحدهما دون الآخر - أو قبضت من أحدهما أكثر من الآخر رجع من قبض منه الأكثر على الآخر بنصف الزيادة التي أداها وإن أفضاها أحدهما بوطئه فعليه لها ثلث قيمتها لأن الإفضاء في الحرة يوجب ثلث ديتها فوجب في الأمة ثلث قيمتها مع المهر
ويحتمل أن يلزمه في الإفضاء قدر نقصها وقال القاضي: تلزمه قيمتها وهو مذهب الشافعي والخلاف في ذلك فرع على الواجب في إفضاء الحرة وقد ذكرناه فإن فسخت الكتابة رجع من لم يفضها على الآخر بنصف قيمة الإفضاء على الخلاف الذي ذكرناه, وإن ادعى كل واحد منهما على الآخر أنه الذي أفضاها أو وطئها حلف كل واحد منهما وبرئ وإن نكل أحدهما قضى عليه وإن كان الخلاف في ذلك قبل عجزها فادعت على أحدهما فالقول قوله مع يمينه, وإن ادعت على أحدهما غير معين لم تسمع الدعوى.
فإن أولدها كل واحد منهما واتفقا على السابق منهما فعلى قول الخرقي تصير أم ولد له وولده حر لاحق النسب به والخلاف في ذلك كالخلاف فيما إذا انفرد بإيلادها سواء, وأما الثاني فعلى قول الخرقي قد وطئ أم ولد غيره بشبهة وأولدها فلا تصير أم ولد له لأنها مملوكة غيره فأشبه ما لو باعها ثم أولدها وعليه مهرها لها لأن الكتابة لم تبطل والولد حر لأنه وطء شبهة وعليه قيمته للأول لأنه فوت رقه عليه فكان من سبيله أن يكون رقيقا له حكمه حكم أمه فتلزمه قيمته على هذه الصفة وقد ذكرنا في وجوب نصف قيمة الأول خلافا, فإن قلنا بوجوبها تقاصا بما لكل واحد منهما على صاحبه في القدر الذي تساويا فيه ويرجع ذو الفضل بفضله وتعتبر القيمة يوم الولادة لأنها أول حال أمكن التقويم فيها وذكر القاضي في هذه المسألة أربعة أحوال أحدها أن يكونا موسرين فالحكم على ما ذكرنا إلا أنه جعل المهر الواجب على الثاني للأول, وهذا مذهب الشافعي ولا يصح لأن الكتابة لا تبطل بالاستيلاد ومهر المكاتبة لها دون سيدها ولأن سيدها لو وطئها لوجب عليه المهر لها فلأن لا يملك المهر الواجب على غيره أولى, ولأنه عوض نفعها فكان لها كأجرتها الثاني أن يكون الأول موسرا والثاني معسرا فيكون كالحال الذي قبله سواء قال القاضي: إلا أن ولده يكون مملوكا لإعساره بقيمته وهذا غير صحيح لأن الولد لا يرق لإعسار والده بدليل ولد المغرور من أمة والوطء بشبهة وكل موضع حكمنا بحرية الولد لا يختلف بالإعسار واليسار وإنما يعتبر اليسار في سراية العتق وليس عتق هذا بطريق السراية, إنما هو لأجل الشبهة في الوطء فلا وجه لاعتبار اليسار فيه والصحيح أنه حر وتجب قيمته في ذمة أبيه الحال الثالث أن يكونا معسرين فإنها تصير أم ولد لهما جميعا نصفها أم ولد للأول ونصفها أم ولد للثاني قال: وعلى كل واحد منهما نصف مهرها لصاحبه وفي ولد كل واحد منهما وجهان: أحدهما أن يكون كله حرا وفي ذمة أبيه نصف قيمته لشريكه, والثاني نصفه حر وباقيه عبد لشريكه إلا أن نصف ولد الأول عبد قن لأنه تابع للنصف الباقي من الأم وأما النصف الباقي من ولد الثاني فحكمه حكم أمه لأنه ولد منها بعد أن ثبت لنصفها حكم الاستيلاد للأول فكان نصفه الرقيق تابعا لها في ذلك ولعل القاضي أراد ما إذا عجزت وفسخت الكتابة, فأما إذا كانت باقية على الكتابة فإن لها المهر كاملا على كل واحد منهما وإذا حكم برق نصف ولدها وجب أن يكون له حكمها في الكتابة لأن ولد المكاتبة يكون تابعا لها الحال الرابع: أن يكون الأول معسرا والثاني موسرا فحكمه حكم الثالث سواء إلا أن ولد الثاني حر لأن الحرية ثبتت لنصفه بفعل أبيه وهو موسر فسرى إلى جميعه وعليه نصف قيمته لشريكه ولم تقوم عليه الأم لأن نصفها أم ولد للأول ولو صح هذا لوجب أن لا يقوم عليه نصف الولد لأن حكمه حكم أمه في هذا فإذا منع حكم الاستيلاد السراية في الأم منعه فيما هو تابع لها ومذهب الشافعي في هذه المسألة قريب مما ذكر القاضي.
وإن اختلفا في السابق منهما فادعى كل واحد منهما أنه السابق فعلى قولنا لها المهر على كل واحد منهما, وكل واحد منهما يقر لصاحبه بنصف قيمة الجارية لأنه يقول: صارت أم ولد لي بإحبالي إياها ووجب لشريكي على نصف قيمتها ولي عليه قيمة ولده لأنه يقول: أولدتها بعد أن صارت أم ولد لي وهل يكون مقرا له بنصف قيمة ولده؟ على وجهين سبق ذكرهما فعلى هذا إن استوى ما يدعيه وما يقر به تقاصا وتساقطا ولا يمين لواحد منهما على صاحبه لأنه يقول: لي عليك مثل ما لك على والجنس واحد فتساقطا وإن زاد ما يقر به فلا شيء عليه لأن خصمه يكذبه في إقراره, وإن زاد ما يدعيه فله اليمين على صاحبه في الزيادة ويثبت للأمة حكم العتق في نصيب كل واحد منهما بموته لإقراره بذلك ولا يقبل قوله على شريكه في إعتاق نصيبه وقال أبو بكر: في الأمة قولان أحدهما يقرع بينهما فتكون أم ولد لمن تقع القرعة له, والثاني تكون أم ولد لهما ولا يطؤها واحد منهما قال: وبالأول أقول وأما القاضي فاختار أنهما إن كانا موسرين فكل واحد منهما يدعي المهر على صاحبه ويقر له بنصفه وهذا مذهب الشافعي لأن المهر عندهم لسيدها دونها ولا يعتق شيء منها بموت الأول لاحتمال أن تكون أم ولد للآخر وأما إذا مات الآخر عتقت لأن سيدها قد مات يقينا وإن كانا معسرين فكل واحد منهما مقر بأن نصفها أم ولده ويصدقه الآخر لأن الاستيلاد لا يسري مع الإعسار, وكل واحد منهما يقر لصاحبه بنصف المهر والآخر يصدقه فيتقاصان إن تساويا وإن فضل أحدهما صاحبه نظرت فإن كان كل واحد منهما يدعي الفضل تحالفا وسقط وإن كان كل واحد منهما يقر للآخر بالفضل سقط لتكذيب المقر له به وفي الولد وجهان: أحدهما يكون حرا فيكون كل واحد منهما يدعي على الآخر نصف قيمة الولد والوجه الثاني نصفه حر فيقر بأن نصف الولد مملوك لشريكه فيكون الولدان بينهما من غير يمين وعلى الوجه الأول يتقاصان إن تساوت قيمة الولدين ولا يمين في الموضعين, وأيهما مات عتق نصيبه وولاؤه له وإن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا فالموسر يقر للمعسر بنصف المهر ونصف قيمة الولد ونصف مهرها ويدعي عليه جميع المهر وقيمة الولد, والمعسر يقر للموسر بنصف المهر ونصف قيمة الولد فيسقط إقرار الموسر للمعسر بنصف قيمة الجارية لكونه لا يدعيه ولا يصدقه فيه ويتقاصان بالمهر لاستوائهما فيه ويدفع المعسر إلى الموسر نصف قيمة الولد لإقراره به ويحلف على ما يدعيه عليه من الزيادة لأنه ادعى عليه جميع قيمة الولد فأقر له بنصفها ويحلف له الموسر على نصف قيمة الولد الذي ادعاه المعسر عليه وأما الجارية فإن نصيب الموسر منها أم ولد بغير خلاف بينهما فيه وباقيها يتنازعانه فإن مات الموسر أولا عتق نصيبه وولاؤه لورثته, فإذا مات المعسر عتق باقيها وإن مات المعسر أولا لم يعتق منها شيء فإذا مات الموسر عتق جميعها ويجيء على قول أبي بكر أن يقرع بينهما في النصف المختلف فيه.
فإن وطئاها معا فأتت بولد لم يخل من ثلاثة أقسام: أحدها أن لا يمكن أن يكون من واحد منهما, مثل أن تأتي به بعد استبرائها منهما أو بعد أربع سنين منذ وطئها كل واحد منهما أو قبل مضي ستة أشهر منذ وطئها كل واحد منهما فإن الولد منفي عنهما وهو مملوك لهما حكمه حكم أمه في العتق بأدائها, وإذا ادعى كل واحد منهما الاستبراء قبل منه لأن دعوى الاستبراء في الأمة كاللعان في الحرة القسم الثاني: أن يكون من أحدهما بعينه دون صاحبه فالحكم فيه كالحكم فيما إذا ولدت من أحدهما بعينه من وجوب المهر لها وقيمة نصفها لشريكه مع الخلاف في ذلك وأما الذي لم تحبل من وطئه فإن كان الأول فعليه المهر لها وإن كان هو الثاني فقد وطئ أم ولد غيره فإن كانت الكتابة باقية فعليه المهر لها أيضا, وإن كانت الكتابة قد فسخت فالمهر للذي استولدها وقد وجب للثاني على الأول نصف قيمتها وفي قيمة نصف الولد روايتان فإن كان المهر للأول تقاصا بقدر أقل الحقين وإن كان المهر لها رجع بحقه على الذي أحبلها وأما القاضي فقال في هذا القسم: الحكم في الأول كالحكم فيه إذا انفرد بالوطء على ما مضى من التفصيل والتطويل وأما الثاني فإن وطئها بعد ولادتها من الأول نظرنا, فإن وطئها بعد الحكم بكونها أم ولد للأول فعليه مهر مثلها فإن كان فسخ الكتابة في حق نفسه لعجزها فالمهر له لأنها أم ولده وإن كان لم يفسخ فالمهر بينه وبينها نصفين وإن وطئها بعد زوال الكتابة في حقه وقبل الحكم بأنها أم ولد للأول سقط عنه نصف مهرها لأن نصفها قن له, وعليه النصف لها - إن لم يكن الأول فسخ الكتابة - أو له إن كان فسخ وإن كان الأول معسرا فنصيبه منها أم ولد له ولها عليهما المهران, والحكم فيما إذا عجزت أو أدت قد تقدم فأما إن كان الولد من الثاني فالحكم في وطء الأول كالحكم فيه إذا وطئ منفردا فلم يحبلها وأما الثاني فإن كان موسرا قوم عليه نصيب شريكه عند العجز فإن فسخا الكتابة قومناها عليه وصارت أم ولد له وإن رضي الثاني بالمقام على الكتابة قومنا عليه نصيب الأول وصارت كلها أم ولد له ونصفها مكاتب, ويرجع الأول على الثاني بنصف المهر ونصف قيمة الولد على إحدى الروايتين ويرجع الثاني على الأول بنصف المهر فيتقاصان به إن كان باقيا عليهما وإن كان الثاني معسرا فالحكم فيه كما ولدت من الأول وكان معسرا لا فضل بين المسألتين القسم الثالث: أمكن أن يكون الولد من كل واحد منهما فإنه يرى القافة معهما فيلحق بمن ألحقوه به منهما, فمن ألحق به فحكمه حكم ما لو عرف أنه منه بغير قافة.
|